كان هزاع متعبا للغاية، فما ان وضع رأسه على الوسادة حتى غط في نوم عميق، فيما وجدت نفسي عاجزة عن النوم، كنت لاأزال تحت تأثير بهجة الحدث، وبدأت أجري بعض القياسات وأنا بين ذراعيه، فرغم أني ممتلئة، إلا أنه جسده العريض، يشعرني كالعصفورة في حضنه، إني بالفعل صغيرة جدا إذا ما قورنت بجسده، ...نظرت إلى كف يده، التي تلامس كتفي، ووضعت كفي قربها، بدت كفي صغيرة، رقيقة، قياسا بكفه، ... بدات أدرك الفرق، وتخيلت لو أن رجلا مثله تزوج امرأة نحيفة، كيف سيتمكن من الإحساس بها، ... قد تضيع بين ذراعيه،...... احببت التفكير على هذا النحو، فانا على كل حال لا ينقصني شيء، لأكون السيدة الأولى والوحيدة في حياته، كل ما كان يقلقني هو مظهري، لكن إن كان مظهري هو أهم مميزاتي لديه، إذا فقد حان الوقت لابدأ في عرض مميزات اخرى أيضا، ... علي أن أذهل هذا الشاب، اللطيف، الجميل، المهذب الراقي، ... وبدات في عد صفاته التي رصدتها منذ اليوم...!!!!
...
استيقظت على يديه اللتين كانتا تشدانني من جديد إلى صدره، رمقت الساعة المعلقة بعيدا، كانت قد تجاوزت الحادية عشرة صباحا، ... هل نمنا كل هذا الوقت، .. يا إلهي، هاهو ملاكي إلى جواري، .. قضينا ليلة ممتعة البارحة، .. بدات أدرك ما حدث، بدأت افيق، لقد كنت تحت تأثير الارهاق ومشاعر أخرى حتى ليلة البارحة، أما اليوم، فأنا مستعدة للتعاطي معه، ... حاولت الانسحاب من بين يديه بهدوء، أردت دخول الحمام لاستحم واهتم بنفسي... أوه لا، لا يمكنني الاستحمام، سيفسد الماء شعري، ... يا إلهي كيف سأتصرف، كنت قد اتفقت مع المصففة لتمر علي صباح اليوم، فتسرحني، لكن لم يعد بإمكانها القدوم إلي وانا في عرض البحر... كيف سأتصرف، ... لدي سيشوار في الحقيبة الكبيرة، لكني لست بارعة في التصفيف... آآآآه، ...
لا اعرف كم من الوقت مضى بينما كنت في الحمام، استغرقني تسريح شعري، وحينما خرجت كانت هناك رائحة فطائر لذيذة، وطعام ساخن، ... (( صباح الخير ياحلوتي )) .. (( صباح الخير)) كان يضع الطعام على المائدة، قررت أن أتصرف بتلقائية وببساطة لكي لا اثير توتره (( كيف وصل هذا الطعام إلى هنا ...؟؟ )) .. وهنا رفع عينيه الساحرتين نحوي، ... كنت قد صففت شعري وتركته منسدلا، فيما وضعت مشبكا صغيرا من القماش اللامع على الطرف الأيسر، ... وارتديت فستانا صباحيا بيج تزينه الوردات الحمراء الرقيقة وتنتشر عبره لمعة ذهبية براقة، الفستان كان من الحرير، فيما كانت وروده اللامعة من الدانتيل الفرنسي، ووضعت مكياجي بنفسي، القليل من الظلال الازرق بزرقة البحر ممزوجا بالذهبي والبيج وعلى شفتي حمرة بلون التوت، ... كما تزينت بطقم من الذهب المطعم بالاحجار الكريمة الملونة بالوان الطيف، عصري ورقيق،...شعرت بنظراته المعجبة تتفحصني، وشعرت به كمن يحمد الله لأني زوجته، لست أبالغ شعرت بذلك، فقط برقت عيناه، ثم تمتت شفتاه، بحمد الله، ... لقد لاحظت كل ذلك بدى ذلك واضحا، .. مما اشعرني براحة متناهية، وفخر وشحذ همتي لأتواصل معه بثقة وحرية، ... تلك النظرة كانت كافية لتحررني من هواجسي السلبية بخصوص مظهري أو بدانتي...
(( كل يوم سيصلنا الطعام جاهزا إلى اليخت، لقد تعاقدت معهم على ذلك...))، .. (( من هم...؟؟ )) اصحاب اليخت، .. (( أه أذا فاليخت يعود إلى شركة سياحية... )) ... (( بالتأكيد، .. هل اعتقدتي أني املكه... لدي قارب صغير، ودراجة مائية فقط... لكني لا أملك يختا، ... إن شاء الله حينما تتيسر أموري ،اعدك بأن ابتاع لنا واحدا، ... هذه احدى خططي المستقبلية...)) (( يبدوا أنك تحب البحر... )) فرد وهو يبتلع قطعة الكروسون (( منذ الصغر، والدي كان بحارا، .. وقد كنت ارافقه لصيد السمك إذ كنت صغير، ثم اصبحت أخرج مع رفاقي بين وقت وأخر للصيد، عليك أن تعتادي ذلك لاحقا.... )) وابتسم تلك الابتسامة الجذابة، وعاد ليتأملني... ثم أراد ان يقترب مني ليطعمني، (( لا أرجوك، سآكل بنفسي...)) .. قال معترضا (( انت عروس .. والعروس تأكل من يدي عريسها..)) اقتربت من المائدة، كان هناك الكثير من الطعام، فطور شرقي على فطور غربي، كل شيء تقريبا، ..
وأثناء الفطور دار بيننا حديث مطول ومنوع، قال وهو يطعمني المانجو (( إذا انت الوسطى بين أخواتك...)) (( ليس تماما، قبل الأخيرة من حيث البنات، ... يصغرني أيضا اخي فهد بخمسة اعوام))... (( أممم، هل افهم انك مدللة... )) ابتسمت برقة فأنا أحب أن يحدثني على هذا النحو،.. (( لست مدللة لأني صغيرة، لكن والدي يدللنا جميعا، دلالا متوسطا، لا يفسدنا، ...)) قلتها بينما احتفظت بابتسامتي البراقة، إنها أكثر ما أملك من مظاهر الاغراء فتكا، ... مما جعله يستمر في التحديق بي، دون أن يركز فيما قلت، ومظاهر الإعجاب بادية على وجهه، فسألته بدوري هربا من مغازلته اللطيفة ... (( وأنت هل حضيت بالدلال... )) ... (( أه أنا، ... لا ليس دلالا، ... وإنما حضيت بالرعاية وهذا يكفيني، ... فأمي دللت البنات فقط، ... انتم البنات دائما تحتكرون الحب والمشاعر، .. بينما كتب علينا نحن الرجال، أن نكمل مسيرة ابائكن ... علينا أن نستمر في تدليلكن...))... اصابني حديثه بنوع من الحيرة، .. هل يعتقد فعلا أن عليه أن يدللني، هذا امر جيد، لكن هل يقصد أنه سيفعل ذلك، أم هي مجرد شعارات سرعان ما سينساها، ... وتابع، (( حينما تزوجت اختي الكبرى، لاحظت كيف تعبت في التجهيز لليلة كهذه، أدركت وقتها أن على زوجها في ذلك الحين أن يجهز نفسه أيضا ليحتفل بمجهودها ذك، ... واتصلت به وسألته إن كان قد حضر شيئا أي شيء، لكني وجدته غارقا في شكليات لا داعي لها، ولا طائل منها، ... تعلمين كما فعلنا نحن أيضا، فأخبرته عن تحضيراتها الشخصية، .. واشرت عليه أن يحتفل بهذه الليلة على طريقته، ويهرب بها، ... وقد فعل، ... في الحقيقة، كنت قد قررت أن احتفل بليلتي هذه بطريقتي الخاصة، ...فحجزت اليخت، لنعيش لحظاتنا الخاصة...!!!!)) .. (( هل تقصد أننا لن نعود اليوم... )) اقترب مني قليلا بعد أن انتقلنا إلى الصوفا في الصالون، ،(( لا لن نعود... إنها أيامنا الخاصة ...)) ... يا إلهي لا بد أن امي ستقلق، ثم ماذا سأفعل بالفساتين التي اعددتها خصيصا للصباحية واستقبال المهنئين، ... وكأنه علم ماكنت افكر فيه (( بالتأكيد أنت تفكرين في الصباحية... أتعلمين عن نفسي أجد أن هذه مجموعة من العادات والتقاليد البالية، التي تسرق أهم واجمل ايام عمرنا، ... إنا ما صدقت على الله أن اجتمع بك، فهل أسمح لشكليات كهذه أن تفسد علينا خلوتنا، ... ستجدين الوقت فيما بعد لكل هذا )).. (( هل والديك على علم... اقصد هل يعلمون أننا هنا،...)) ... (( ليس تماما، لكني تقريبا ألمحت لوالدتي قبل أن نغادر بلحظات...)) ..(( ألمحت فقط، ... علي أن أخبر امي كي لا تقلق...)) .... كان قد بدأ يقترب مني أكثر وبدأ يطوقني قائلا(( لا شأن لأمك بالأمر، ليس عليها أن تقلق عليك بعد الآن، ... أنت معي أنا، زوجك، أنا الوحيد الذي عليه أن يقلق منذ اليوم، لغيابك، ... )) .. (( أوووه، نعم... )) ... (( شما، لماذا قبلت بي...؟؟ )) .. باغتني السؤال .. لحظة صمت مرت، فسؤاله، اصابني بالذهول، حتى انا لا اعرف لما قبلت له، لكني قلت (( ارتحت إليك ..)) ..فنظر لي معاتبا (( هذا فقط مجرد ارتياح، أم انه حب من النظرة الأولى ... )) كان قد بدت كف يديه تعانق كف يدي، (( لا أعلم... وأنت لما اخترتني.... )) قال بسرعة لم أتوقعها (( لاني أحببتك، )) ... فأبعدت عيوني، وشابتني المفاجأة، ثم فجأة أيضا قام مبتعدا، متجها نحو الثلاجة أحظر علبة الصودا وسألني (( هل تشربين شيء......!!!)) قلت (( لا شكرا... )) ثم تابع من مكانه، وهو يطالعني بنظراته معبرة (( بصراحة حينما رأيتك لأول مرة، شعرت أنك لي، سميه حدسا، سميه أي شيء، لكني أردتك من كل قلبي... وقد تحريت عنك قبل أن أتقدم لطلب يدك، .. ولو كنت رفضتني كنت حطمت فؤادي...))... احببت هذا التصريح كثيرا، إذا فقد اختارني بكامل ارادته، وعميق رغبته، ولم يكن مجرد زواج والسلام.... لكن وجدت نفسي اتسأءل أيضا: ترى ماذا أحب في، ... ليتني أعرف على وجه الدقة، ... حاولت أن أسأل، لكن تلك القيود التي تحيط بلساني تمنعني، اشعر أني لم اعتده بعد، ...عاد ليجلس على الصوفا لكنه جلس بعيدا هذه المرة، وبدا يتأملني بطريقة اثارت حيائي من جديد ..،
(( استأذنك سأجري مكالمة سريعة )) ثم حمل موبايله ( جواله) الذي كان مطفأ منذ ليلة امس، ... وقف وهو يتحدث وبدأ يتجول في المكان، فاقتنصت الفرصة لاتأمله.... (( اريدك ان تأتي لتأخذ السيارة... لقد تركتها هناك يجب اعادتها اليوم، .. نعم، المفتاح تركته لدى موظف الشركة، .. تصرف،.. لا تقلق لدي سيارتي أوقفتها منذ البارحة الظهر هناك، بالتأكيد وهل اغفل عن أمر كهذا.. اشكرك..))، انهى المكالمة، واقترب وهو يشرح، (( اخي عبدالله، ... اريده ان يعيد سيارة الزفة، فإيجارها اليومي كبير... وهو قلق بشأن تواجدنا في البحر، فأخبرته اني تركت سيارتي الخاصة على الميناء، ... يمكننا ان نخرج لتناول الغداء في مكان ما، ثم نعود إلى اليخت ما رأيك...؟؟؟)) قلت وقد اسعدني عرضه (( لا مانع لدي.. متى نخرج...)) (( اممممممممم بما اننا تناولنا طعام الافطار للتو، ولسنا جائعين... فلعلنا نعود للنوم ونخرج لاحقا.......))...
الانسان في وجوه شخصيتهالجميلة
ملون كألوان قوس المطر...
((إن لدي مشاعر متضاربة في هذه اللحظة، فهذا الانسان الذي شعرت وبالنظرة الأولى أني اعرفه منذ زمن بعيد...!!!
هو ذات الانسان، الذي كلما نظرت إليه اشعر انه شخص غريب ارغب في اكتناف غموضه، اشعر ان في داخله شخص اعرفه،
في اعماقه روح تعرفني حق المعرفة، لكن حينما نبدأ في التواصل، لا أعرف لما تعيقنا السبل، إني اهواه، ولا اتخيل حياتي بلاه،
لكني في نفس الوقت عاجزة عن ايصال مشاعري له بالشكل الصحيح، لا أعرف هل هو نوع من المكابرة، إنها مشاعر مبهمة حقا،
لا افهمها، فكلما اردت الاقتراب منه، افسد الامر اكثر، في البداية لم نكن هكذا،
في البداية كانت لدي ثقة كبيرة في حبه لي، وفي قوة علاقتنا، لا اعرف لماذا تبددت تلك الثقة مع الايام،
ولا اعرف لما اضمحلت ثقتي في ذاتي، إلى هذه الدرجة، إني انهار يوما بعد يوم، واشهده وهو يضيع من بين يدي)) .
تعود بظهرها إلى الوراء، وتجر نفسا طويلا، تنفس عبره عن ضيق شديد، وتغمض عينيها اللتين قذفتا فيضا من الدمع، ..
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(( لم اعد قادرة على الاحتمال، .. إني لا أشفق على نفسي بدونه فقط، بل اشفق عليه هو أيضا بدوني، لا اعرف لم اتخيل انه سيصبح وحيدا لو تخليت عنه، حتى وإن كان الفراق قراره هو، فأنا اشعر احيانا انه ابني، وابي في ان واحد، فإن ابتعدنا اصبح يتيما واصبحت يتيمة... والله يا دكتورة احسن أن لا احد له في هذه الدنيا بعدي، رغم ان امه وابوه على قيد الحياة الله يخليهم له، إلا اني احس بذلك...))،
(( منذ ان افترقنا، وانا اقلب موبايلي عشرات المرات كل دقيقة، انتظر منه رسالة، اعود واتفحص الصوت، لعله اتصل ولم اسمع الرنين، اتصل بهاتفي من هاتف اخر، لأتأكد من انه متصل بالشبكة، تعبت وانا انتظر، ... يعلم الله أني ندمت، لكن هل يمكن لهذا الانسان ان يعود...وان نعود كما كنا... ))، ..
أردت أن اخبرها الحقيقة، أردت ان أفشي لها بسر كبير، قد ينهي ساعات الانتظار، أو قد يفطر قلبها... لكني آثرت الصمت، لاني كنت قد عاهدت نفسي، أن اصبر، وأن لا أضعف امام دموعها، وتحاملت على نفسي، وزججت بإرادتي في طريق مؤلم، فليس من السهل، أن ترين أمرأة تبكي بين يديك، وتترجى، وأنت بيديك ان تنهي حالة الانتظار المؤلمة التي تعيش فيها، بكلمة، كلمة واحدة، مهما كانت تلك الكلمة، مؤلمة، أو سارة، المهم، انها ستنهي حالة الترقب والانتظار، والتي في كثير من الاحيان، تكون لحظات من العذاب والالم ليس إلا...!!!
كان المطر قد توقف في الخارج، وظهر قوس المطر عند قمة المبنى المجاور كان بديعا، ...(( هل ترين قوس المطر يا شما...)) (( ام، جميل... !!! )).. (( هل يمكنني رؤية صورة لهزاع بعد اذنك )) قالت وهي تهم بفتح حقيبة يدها، (( بكل تأكيد، لقد اصطحبت معي البوما كاملا، لتختاري الصورة التي تجدينها مناسبة، .. لقد اخبرتني السكرتيرة بأن علي اصطحاب الصورة، لتحليل الشخصية، لكني احترت اية صورة اختار، .. )) وهمت باخراج البوم صور صغير الحجم، باللون الزهري المأطر بالذهبي، بدا انيقا، قالت وهي تفتح الصفحة الأولى فيه (( هذه صورة لنا في ليلة الزفاف، .. ما رأيك هل كنت جميلة...؟؟)) (( ماشاء الله، جميلة بالفعل، ولا زلت جميلة...!!!))، (( وما رأيك في هزاع...!!! كيف تحللين شخصيته..؟؟))، نظرت للحظات، وكنت من الوهلة الأولى قد رصدت مجموعة من الصفات، بحكم خبرتي الطويلة في تحليل الشخصيات عبر قراءة ملامح الوجه، لكني قلت (( هل لديك صورة يبرز فيها الموجه بشكل واضح، يكون فيها مقابلا للكاميرا، أي لا يلتفت يمينا ولا شمالا...)) قالت متحمسة (( نعم تقصدين كالصورة التي تضاف للهوية، نعم عندي صورة كهذه، لقد اكدت علي السكرتيرة ان اصطحب واحدة،)) وبدأت تقلب في الألبوم (( أين هي، لحظة من فضلك، ..... نعم هذه هي.. هذه الوحيدة التي وجدتها عندي إنها قديمة بعض الشيء، ذلك لان كل الصور في بيتي، وانا حاليا في بيت اهلي كما أخبرتك، وجمعت لك من الصور ما وجدته فقط..)) قلت أطمأنها (( لا بأس، حاليا سنكتفي بهذه، لكن الاسبوع المقبل، اريدك ان تحضري لي صورة حديثة، لان ثمة سمات في الانسان تتبدل، صحيح ان اغلب السمات تبقى ثابتة، لكن هناك صفات تتغير، ويفضل دائما ان تكون الصورة حديثة، ليست اقدم من سنة )) .. ((لكن كيف سأحضر لك الصورة الاسبوع القادم، وانا لازلت في بيت اهلي، دكتورة..)) (( لأنك ستعودين بإذن الله هذا الاسبوع...)) (( مستحيل.. لا استطيع.. لا يمكن... وكرامتي... لا، .. صعب))
(( بإذن الله ستعودين... ولن نستبق الاحداث، فلعله هو بنفسه من سيأتي ليعيدك، ...)) (( هل هذا ممكن، ...)) واشرق وجهها مستبشرا، وانفرجت اساريرها، فيما قفزت دمعتي فرح، (( هل يمكن ان يحدث ذلك حقا دكتورة، ... لكنه قرر الزواج، ... وخطبته الاسبوع المقبل... كيف اقبل العودة إليه، غير ممكن....!!!!)) ... (( قد يعود عن قرار زواجه، لعله يفعل، وبإذن الله، دعينا لا نستبق الاحداث، .. ونرى على اي وجه سنهي استشارتنا لليوم، ... )) تسمرت عيناها على وجهي للحظات، قبل ان تقول (( لما اشعر انك تتحدثين بثقة كبيرة، .. شيء ما في قلبي يخبرني انك تخفين امرا...)) قلت في نفسي، سبحان الله، ... حدس المرأة، لا يخطأ أبدا، ...!!!!
حينما نظرت إلى الصورة، فهمت ماذا قصدت شما، حينما وصفت هزاع، بأنه شخص مختلف، فهو في الواقع شخصية استقلالية جدا، وإلى ابعد الحدود، شخص ودود للغاية، ولكنه في الوقت نفسه من عشاق الحدود، فهو يحب ان تكون له حياته الخاصة، واثق من نفسه جدا، لا يمكن لأي شيء ان يهز ثقته في ذاته، لا يحب التردد، ولا الاشخاص المترددين عنيد اشد ما يكون العناد، وهو يتفق مع شما في ذلك، فهي الاخرى عنيدة، شخص صادق لا يعرف اللف ولا الدوران، وهو ايضا لا يحب اضاعة وقته، ليس متكبرا، ومن يتعامل معه للوهلة الأولى يظنه كذلك، لكن ما ان يتعرف عليه عن قرب يدرك ان صمته ليس تكبرا إنما حكمة، وصرامته ليست قسوة، إنما رحمة، وتميزه لا يغره، بل يزيده ثقة، الزواج بالنسبة إليه ليست مجرد مرحلة أو خطوة، وإنما هو قاعدة ينطلق منها، ويعتمد عليها، ليكتسب المزيد من القوة، وهو لذلك يبحث عن امرأة قوية، حكيمة، صلبة، يستطيع ان يتقاسم معها مسؤولية تحقيق طموحاته، ..
واختياره لشما، لم يأتي عبثا، او قرارا متهورا منه، فهو ايضا يتمتع بنظرة ثاقبة، فشما، مالا تعرفه عن نفسها، أنها شبيهته في هذه الحياة، فهي ايضا شخصية قيادية، وصارمة، ومدبرة، وهي الأكثر قدرة من بين النساء على ان تشكل معنويا قاعدة قوية، وثابتة وراسخة ينطلق منها هزاع لتحقيق ذاتيهما معا، ...!!!!
لكن هزاع، يبدوا انه تمتع في سنوات حياته الأولى بعلاقة طيبة بذاته، ولديه فكرة واضحة وإيجابية عن نفسه في كل صفاته،
أما شما، فقد عانت للاسف من مشكلة كبيرة، الا وهي الاستنقاص من قدرها، بسبب ما كانت تعانيه من سمنة في طفولتها، والانسان حينما يقوم احدهم بالتركيز دائما على شيء ينقصه او يعيبه، يجعله عاجزا عن رؤية الايجابيات الاخرى في شخصيته، ويصبح كل همه هو ان يتجاوز العيب الذي يعانيه، ويعتقد بشكل متواصل أنه حينما يتخلص من ذلك العيب، سيصبح بأمكانه ان يتمتع بباقي مميزاته، او إيجابياته، لكنه لا يعلم ان التركيز على العيب يجلب المزيد من العيوب، بل ويقوض الشخصية، ويقضي على الارادة، ...!!!! فتذبل مع الايام كل مميزاته الاخرى، ...
لم يخطأ هزاع في اختيار شما، فهي مناسبة له من كل الجهات، إنهما يشكلان زوجين، قويين، ويمكنهما ان يكونا علاقة زوجية متعددة الوجوه والجوانب، فهما يكن ان يكونا بالاضافة إلى كونهما زوجين، ... يمكن ان يصبحا شريكي عمل ايضا، فكلاهما يتمتع بنفس الطموح ونفس القدرة على التخطيط، ونفس الاتجاهات الفكرية،
يمكنهما ان يكونا عاشقين، لان كلا منهما يتمتع باستقلالية عميقة، وثقة مفرطة في ذاته، حتى شما، تتمتع بهذه الصفة، لولا انها لم تعطي هذه الميزة القدرة على الظهور، او النمو، ...!!!
يمكنهما ان يكونا صديقين، فهما ليسا شخصين حالمين، رومانسيين طوال الوقت، إنهما يتمتعا بحكمة، وبعد نظر، ولدى كلا منهما قدرة على تفهم الأخر، وقد برزت بوادر تلك الصداقة منذ الوهلة الأولى حينما بدأت شما بالضحك لمنظره بالشورت بعفوية، فيما تقبل هو ضحكها بسعة صدر، ومثل هذا قلما يحدث بين شخصين بالكاد يعرفان بعضيهما،...!!!
يتمتع كلا منهما بمنطقية وذكاء حاد، وهذا يجعلهما يتناغمان في علاقة عميقة، بعيدة عن السطحية كل البعد، ورغم ما يعانيانه حاليا من مشاكل إلا ان هذه المشاكل هي نهاية الالم، وهي تصاعدات طبيعية تقودها الصراعات الحتمية، ( بين ما كنت اريد الحصول عليه، وبين ما حصلت عليه في الواقع) هذا من طرف هزاع، الذي كان لديه طموح ما في زوجتة شما، فيما صدم بانسانة مختلفة، بعض الشيء، كان يريدها قوية تثير لديه مكامن عشقه، وتشد من أزره، وتبث فيه طاقة الحياة، فيما وجد امرأة تنسحب من مساحات اعجابه، وتنطوي في غربة مشاعرها.
اما من طرف شما، فقد كان الصراع الذي حطم اعصابها وعلاقتها الزوجية ان ذك، هو الصراع بين ( ما اعتقد اني استحقه، وما حصلت عليه بالفعل) والواقع ان شما، كانت تعتقد انها لا تستحق رجلا وسيما، ذكيا، ومعطاءا كهزاع، لانها تعتقد انها ليست كافية، بسبب ما تعانيه من نقص ناتج عن شعورها تجاه مظهرها،
(( دكتورة ... أخبريني أي شخصية من النساء يحب... أريد ان أكون كما يحب، أريد ان اذهله دكتورة ... إني مستعدة ان أفعل أي شيء، سأجري عملية تجميل الشهر القادم، أريد ان اغير شكلي بالكامل، أريد ان أصبح اجمل من مي... !!!))
ولازالت شما، تجدف في اتجاه اخر....!!!!
عزيزتي شما، ماذا سيحدث لو كان هزاع يقف على ضفة ما،
لنقل مثلا في الشرق، فيما انت تجدفين إلى الضفة المعاكسة، ...!!!
(( سأبتعد عنه يا دكتورة، ...!!!))،
(( تماما، يا شما، هذا ما سيحدث لو انك قمت باجراء عملة تجميل....!!!!))
كل انسان في هذه الحياة، يولد بمميزات، وقوى ذاتية خاصة به، يتفرد بها كما يتفرد ببصمته عن غيره، إلا ان المحيطون به، بالاضافة الي التجارب التي يعاصرهـا،
تقوم عبر الزمن، تهميش تلك القدرات والصفات الإيجابية، ليحل محلها صفات سلبية في المقابل، أو صفات إيجابية اقل جودة من الصفات الأساسية، مما يجعلــه
عاجزا عن التميز، او التعبير عن ذاتيته بالشكل المطلوب، معظم الزيجات التي بدأت بالحـب والتوافق، وانتهت إلى الانفصال أو الفشل، هي زيجات تعرض افرادها
إلى تشــويش افسد صفاتهم الاساسية، وضيع سبل التعبير عنها، انت ايضا، قد تكونين انسانة اكثر جمالا مما انت عليه، وشخصيتك الأم، ( الشخصيــة الجينيـة
كما اسميها) افضل حالا بكثير، لكنك تفتقدين إلى التعبير الحر عنها، او انه تم تهميشها، إن كنت راغبة في اكتشاف شخصيتك الاساسية ( شخصيتك الجينيـة )
علي ان أكلمها، كان علي ذلك، حاولت ان اتحدث إليها،
لكنه باغتني... : (( بمن تتصلين في هذه الساعة المتأخرة من الليل...؟؟))
أردت الحديث إلى أمي، اعتقد انها قلقة علي، يجب ان اطمأنها،
و ابي ايضا قلق، وإن كان يجتهد غالبا في اخفاء مشاعره،
(( استأذنك، علي ان احدث أهلي..)) (( نعم، نعم بالتأكيد، هل تريدين هاتفي، ...))
(( لا شكرا، لدي موبايلي الخاص، في حقيبة يدي، احتفظ به على الصامت، ... ))
كنت في هذه الاثناء اهم باخراجه، من المحفظة اللامعة الخاصة به، فما ان رأى تلك النقوش التي تزينها حتى قال (( حركات يا بنات ...)) فابتسمت، كانت هناك مكالمتين لم يرد عليهما، واحدة من الدتي والأخرى من عليا، .. اممممم، عليا بالتأكيد، هي الاكثر فضولا وميلا للتفاصيل، اقترب مني قبل ان ابدأ الاتصال، وقال مترددا، (( حبيبتي،.. هل اطلب منك امرأ...)) أومأت برأسي متساءلة، فقال (( مجرد طلب صغير، لا أحب حقيقة ان تتحدثي عن أية تفاصيل حول الوقت الذي نقضيه معا، سوءا كان ذلك امام والدتك او أي شخص آخر، مهما كانت علاقتك به قوية، وحتى بعد عودتنا لا تخبريهم بالكثير، يكفي ان تقولي اننا كنا في رحلة، لتكن لنا اسرارنا الخاصة إن احببت )) وبدا الاحراج على جهه وهو يطلب مني ذلك، لكني سهلت عليه الامر حينما ابتسمت برحابة صدر وقلت
(( كن واثقا، انا شخصيا، اتصرف في كل شؤوني على هذا المنوال، إني متكتمة، ... وتفاصيل علاقتنا سر يخصنا وحدنا... ))،
وكأن كلماتي ابهجته واثارت اعجابه، .. اقترب مني وقال (( هذا ما احلم به، دائما، أمرأة يمكنني ان اعهد لها بأدق اسراري،
يوما ما، سأخبرك بالكثير مما اخفيه حتى عن اعز اصدقائي...!!!!))
(( ألو، أمي، كيف حالك... )) (( حبيبتي بخير، كيف حالك انت...)) (( الحمد لله، ... )) (( مرتاحة الغالية...)) (( كل الارتياح،،،، )) وظهر صوتي ترافقه ابتسامة رضى، فسمعت صوت أمي وقد غص بدمعة فرح، (( الحمد لله الله يتمم لك على خير، كيف حال هزاع...)) (( رائع... انا وهو في احسن حال يا أمي، إني سعيييييييييييييدة، سعيدة جدا ... كوني مطمأنة، ..)) (( الله يسعدكم، ويبارك فيكم، ريحتيني الله يريح قلبك، هيا اغلقي الخط، لا تطيلي الحديث في الهاتف أنت عروس، لا تحدثي احدا من صديقاتك طوال هذه الفترة هذا عيب، ولا حتى اخواتك، لا تجعليه يشعر انك مهتمة بأحد غيره... في امان الله الغالية في أمان الله سلمي عليه )) (( سلمك الله...)) وأغلقت امي الخط، دون ان تستفسر عن مكاننا، أو تسألني متى سأعود، ... دون ان يبدوا القلق في صوتها، ودون ان تأنبني لاني تأخرت، .. سبحان الله، حينما اخرج مع صديقاتي إلى السوق، او المتنزهات، تزعجني باتصالها خمس مرات في الساعة، حتى اني احيانا لا ارد، فهي دائما قلقة، وعبارتها المستمرة، (( هيا عودي، والدك منزعج لخروجك...أين انتن الآن، ما تفعلن، كم عددكن، من معكن...))، يهيأ لي احيانا انها لا تريد مني ان استمتع بوقتي، إلا اني افهم سبب قلقها، في زمن تكثر فيه المشاكل، لكنها هذه المرة، كانت مختلفة تماما، لم تسأل ... لم تقلق، ... كانت سعيدة رغم اني بعيدة، سبحان الله، الأم... احمد الله الذي رزقني اما في طيبة قلبها، وحرصها، وحبها....!!!!
كان هزاع في هذه الاثناء قد دخل إلى مقصورة القيادة، وبدأ اليخت يتحرك في اتجاه ما، فقررت ان اهتم بزينتي ريثما يعود، .. رغبت في تغيير ملابسي، وفكرت ان ارتدي شيئا مختلفا للغداء، فرفعت ملابسي من الحقائب وعلقتها في الدولاب، ليسهل علي الاختيار من بينها... كنت منهمكة في تنظيم ادوات زينتي في درج المرآة، حينما شعرت به يقترب .. (( هل تحبين ان اخذك في مغامرة بحرية صغيرة...)) .. وبدون تردد قلت (( بالتاكيد... )) شعرت اني مستعدة ان اذهب مع هذا الرجل إلى ابعد مكان في العالم...!!!!
بدأ يتفحصني ثم قال (( ثوبك جميل... وقد تفسده المغامرة، هل لديك شيء اكثر عملية وراحة.. يفضل ان يكون بنطالا...!!!))، (( لدي نعم... بالتأكيد لدي... )) (( إذا غيري فورا، فيما سأغير انا الاخر ... يمكنك ان ترتدي ما يريحك سنذهب إلى مكان بعيد وآمن، لا رجال هنا سواي خذي راحتك ))، ..
اخترت بنطالا (سكني) ازرق، من الجلد اللامع، مع قميص من الدانتيل الاسود، المطعم بالترتر، بدا الطقم الاكثر هدوئا عندي، فكما تعلمين لم اصطحب معي بناطيل جنز او قطن او أي شيء من هذا النوع فأنا عروس وكل ملابسي مبهرة، وحفلاتية، ... لكنه البنطال الاكثر بساطة بين المجموعة...
ارتديت معه حلقا ذهبيا دائريا، كبيرا، تتدلى منه قطعة من الكريستال ورفعت شعري الأملس الطويل المتدرج القصة ذو الاطراف البرونزية في ربطة ذيل حصان، فيما اخترت حذاءا اسود مموج بالترتر وبكعب عالي،
صراحة لم يكن لدي احذية عادية كلها بالكعب العالي، كما ارتديت نظارتي الشمسية، ووضعت عطري الخاص، ... كنت قد بت مستعدة، حينما خرجت لأراه، وقد ارتدى وللمرة الثانية على التوااااااااااااااالي (( شووووووووورت.....!!!! ))
لكنه هذه المرة كان مناسبا للغاية، شورت بحري اللون، مع تي شيرت، ابيض، ..وبدا مع نظارته الشمسية، ازقرتي، هزاع إذا تكشخ يا دكتورة مافيه احد قده..، كان يحاول ارساء اليخت بالقرب من طراد صغير مجاور، ... حينما انتبه لوجودي... رمقني بنظرة سريعة، ثم انتبه بسرعة إلى الحبل الذي كاد ان يفلت منه، ... (( انا قلت شيء مريييييييح، ... لم اقل فتنة...!!!!)).. (( هذا كل ما لدي في الوقت الحاضر... لو انك اعلمتني بمخططاتك لكنت اصطحبت معي سلفا ما يناسب...)) مد يده نحوي وهو يحاول ان يساعدني على النزول إلى الطراد، ... كان يبدوا جديدا، ونظيفا للغاية ومجهزا بكل ادوات السلامة، ... وبه ايضا استراحة مظللة صغيرة، ...
حملني فجأة فحلقت بين يديه كريشة، حتى اسقطني بهدوء في منصة القيادة، ثم نزل خلفي... كانت منصة القيادة مفتوحة من كل جهة تختلف بذلك عن مقصورة القيادة في اليخت، طوقني حتى اصبحت بين ذراعيه, (( هل سبق لك ان قدت يختا)) قالها وهو متأكد من أني سأقول لا، ...((انظري إلى هذه الشاشة... إنها تظهر كل المعلومات الخاصة بالملاحة، .. )) (( هل ترين هذا، إنه زر التشغيل... )) امسك باصبعي السبابة وضغط به على الزر، فسمعت صوت هدير المحركات، فيما ارتفعت مقدمة الطراد، فصرخت (( لا .. يا ماما))، فقهقه عاليا، وطوقني، (( اهدئي... بهدوء... بهدء بهدوء )) بدأت يدي ترتجف، (( لما علي ان اقود، فلتقد انت...)) (( انا سأعلمك... فقط اهدئي... )) استجمعت قوتي من جديد، وبدأت استمع لارشاداته، ... (( اديري المقود في هذا الاتجاه، تماما كما تقودين السيارة، أرأيت بكل سهولة ويسر....)) وبدأ القارب يشق طريقه في عرض البحر يهدوء، فاحسست برذاذ الماء يتدفق مع نسمات الهواء، فقلت معجبة (( اوه شعور منعش )) فشعرت به ورائي وقد ابتسم،
كان القارب يتحرك ببطئ في البداية، ثم بدأ ينطلق، وزادت سرعته شيئا فشيئا، وصار يعلو ويهبط، ويضرب بقوة على سطح البحر، مشكلا نافورتين على الجانبين، وهواء البحر المنعش المحمل برذاذ الماء يبهجنا من كل جانب، ومجموعة من الطيور الراقدة هناك تتطاير كلما اقتربنا، كان الجو رائعا، والتجربة في غاية المتعة، لا شيء يصف مشاعري آن ذك، صرخت (( روعة يجننن ... )) صار يتحتضنني ويضحك، (( هل احببت ذلك، ... ))، (( بكل تأكيد.. يال الروعة ))
ثم زاد السرعة قليلا بعد... (( أوه لا...)) صرخت فيما اصبح صوت القارب وهو يشق عنان البحر، أقوى وأجمل..... كانت من أجمل اللحظات التي عاصرتها في حياتي، بل هي اجمل التجارب التي خضتها معه، إنها اشبه بركوب افعوانية ضخمة، أو ممارسة التجديف عبر نهر خطر... إلا انه اجمل من كل هذا...
همس في إذني فيما كان يطوقني (( في كل مرة كنت اخرج فيها في رحلة بحرية وحدي، كنت ادعوا الله أن يرزقني امرأة تشاركني شغفي....))، .. لا اعرف كم من الوقت مر علينا ونحن نستمتع بروعة هذه الأحاسيس، ....
في تلك الاجواء المثيرة للدهشة، ... اكتشفت عالما جديدا، وشعرت اني قريبة منه كثيرا، هذا هو عالمه إذا ، وهذا هو المكان الذي يفضله، كم انا محظوظة لانه اطلعني عليه...
استقر بنا الحال في منطقة بعيدة، حيث لم يبقى اي اثر لليابسة، فقط البحر من كل الجهات، وكأن الدنيا اصبحت وعائا مستديرا مليئا بالماء ونحن نستقر في وسطه....... أوقف القارب، ... ودعاني لاجلس، ... فيما هم بفتح ثلاجة صغيرة كانت تحتوي على مشروبات، وبعض الاطعمة البسيطة كالبسكويت والسندويتش، ... ماذا تشربين... كنت قد لمحت علبة العصير المفضل بالنسبة لي، ((التوت..))، .. ناولني العلبة بعد ان فتحها، بينما اختار لنفسه علبة مشروبات غازية، .. ثم رمقني بنظرته الواثقة و قال (( سنرى حظك لهذا اليوم...))
لم افهم قصده، ... فتابع (( أحب ان آتي إلى هذا المكان دائما، وابقى هنا لساعات لا أفعل أي شيء، سوى مراقبة سطح الماء، حيث السكون، ...)) وفجأت سمعت صوت شيء يقفز على سطح البحر فعلق مبتسما (( وهذه المخلوقات الجميلة التي تتقافز هنا وهناك، ... سأرى إن كانت ستقدم عرضا ترحيبيا بك اليوم...)) ..ثم سمعت صوت قفزة اخرى، وتوالت القفزات.... فذهلت حقيقة، كانت هناك سمكات تقفز هنا وهناك في عرض البحر، (( لما تفعل ذلك... لما تقفز...)) (( ترحب بك، ههههه... ذك سلوك طبيعي تنتهجه الاسماك في عرض البحر، .. ستعتادين الامر لاحقا ..)) ، ...
((شما انظري هناك... دققي ماذا ترين... )) (( اوه لا ... هل هذه سلحفاة تحت سطح الماء... )) (( بالتأكيد... تحبين ان نقترب منها...)) أجبت كطفلة شدها الحماس (( نعم بالتأكيد...)) ...(( هذه هي المرة الثانية التي يصادفني فيها رؤية سلحفاة، .. يبدوا ان حظك جيد مع البحر....)) ...
بدا هزاع قبطانا مخضرما، وشخصا مستقلا في افكاره، واسلوب حياته، واحلامه ايضا، احببت ذلك، إلا اني من جهة اخرى شعرت بالخوف، فثقته الكبيرة في نفسه، اثارت في المقابل قلقي، ... انا أيضا يجب ان ارقى إلى هذا المستوى من الثقة في نفسي، ..
سألني (( هل نعود...)) (( كما تحب...)) (( اني احبك انت...))...
هل تعرفين ما هو السر فيما عايشتماه يا شما، من عذوبة المشاعر، ......؟؟
إنها هبة الرحمن، لكل زوجين، ففي بداية العلاقة بين أي رجل وامرأة، تصيبهما ثمة تغيرات
بيلوجية ونفسية، تلك التغيرات، تسهم في دفع كلا منهما نحو الاخر، وتجعله
مستعدا لتقبله ايا كانت عيوبه، في الواقع هي تفاعلات كيميائية نفسية، تسهم في شد اواصر العلاقة الوليدة،
إلا ان هذه التغيرات، ليست سوى مرحلة، تأدي دورها في بداية العلاقة ثم تزول تاركة المكان لمشاعر من نوع اخر،
لكن الفتاة والشاب الذين يستهلكا هذه المرحلة في محادثات ما قبل الزواج، أي في فترة الخطوبة،
مثلا ( او الحب كما يصفونه)، يستهلكا هذه المشاعر، في غير وقتها، وبالتالي لا يجنيا فوائدها،
وإنما يستمتعا لفترة محدودة لا اكثر، فهما يصبحان في فترة الخطبة في حالة حب واشتياق،
يميلا إلى المحادثات الهاتفية المطولة مثلا، حتى يشبعا من بعضيهما، او تقل لهفة كل منهما إلى الاخر،
وحينما يأتي دور الزواج، لا يتبقى من تلك المشاعر سوى القليل البالي، فلا يكادا يشعران بالبهجة،
بل بالملل منذ البداية، ولهذا فإن اية مشكلة صغيرة تنشأ بينهما يمكن ان تقودهما إلى الطلاق، او الفراق،
كما ان كلا منهما يعتقد ان الزواج قضى على تلك المشاعر الحلوة التي كانت قبله،
الواقع ان تلك المشاعر كانت ستختفي على كل حال، تزوجا بعدها او لم يتزوجا، لانها مجرد مرحلة،
لا يمكنها ان تدوم اكثر من عام إلى عامين إن لم يكن اقل، وقد جهز الله كلا من المرأة والرجل
بهذه المشاعر التي تتأجج عبر التواصل مع الطرف الاخر، لتمثل رابطا قويا يربطهما في اولى سنوات الزواج،
وهي اخطر سنة على الاطلاق، حيث يكون كلا منهما في مرحلة انتقالية من حياته السابقة إلى الحياة الزوجية،
فتكون مشاعر حبه وشوقه للطرف الاخر، قوة تبدد غربتهما، وتوطد علاتهما،
وهي التي تجعل الزواج يبدوا مبهجا، وممتعا، وذا سمعة طيبة عند جمهور العشاق، لكن ...
حينما يتم استنزاف هذه المشاعر قبل الزواج، من الطبيعي ان يصبح الزواج فاترا، ومملا،
عندما تحدثين خطيبك وتخرجين معه، قبل الزواج لفترة طويلة، تصابين بحالة من الفتور لاحقا،
وقد تميلا إلى انهاء العلاقة قبل بدء الزواج، لا لسبب إلا انكما تعتقدان انكما ما عدتما تحبان بعضكما
هذه المعلومات إن كانت قد اثارت دهشتك، فلدي المزيد